مع إنتهاء مراسم تشييع الأمينين العامين السابقين لـ"حزب الله" حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، يبرز في الخطاب السياسي للحزب الحديث المكثف عن مرحلة جديدة، تُظهر مختلف المؤشرات أنها تجمع معادلتين: الثوابت التاريخية والمعطيات الراهنة، الأمر الذي يحمل في طياته الكثير من العوامل المهمة، لا سيما لناحية التركيز على العلاقة مع الدولة "القوية" و"العادلة".

حتى الساعة، لا يمكن الحديث عن صورة كاملة حول هذه العلاقة، لا سيما أن المرحلة الجديدة تتطلب حكماً المرور بمرحلة إنتقاليّة، سيخوضها الحزب على المستوى الداخلي بشكل أساس، قبل الإنتقال إلى المستوى الأكبر، الذي يتضمن العلاقة مع الدولة وباقي المكونات في البلد.

العودة إلى المجال الوطني

في السنوات الماضية، تحديداً مع إنطلاق مرحلة ما يسمى بـ"الربيع العربي"، لم يعد الحديث عن الحزب بوصفه قوة محلية. بل تم الإنتقال إلى مرحلة أخرى، إنطلاقاً من الحدث السوري، يتم تصنيفه فيها على أساس أنه قوة إقليمية.

اليوم، بعد العدوان الإسرائيلي وما أفرزه من تداعيات، الذي جاء بعد إنخراط الحزب في الحرب من منطلق البعد الإقليمي، يعود الحديث عن المجال الوطني، الذي من المفترض خلاله البحث عن طبيعة العلاقة بين الحزب والدولة. مع ما يعنيه ذلك من إشكالية حول طبيعة هذه العلاقة، لا سيما بعد التحولات التي كانت قد سجلت على المستوى الداخلي، خصوصاً مع إنتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام، مع العلم أن الحزب ممثل في الحكومة التي ولدت على ضوء هذه التحولات.

شروط العودة

العودة إلى المجال الوطني، لا يمكن أن تتم إلا وفق شروط هذا المجال، ما يفرض على الحزب مراجعة كبيرة على أكثر من مستوى، لم تظهر معالمها الواضحة بعد. إلا أن المؤشرات يمكن إستنتاجها من خلال ما ورد في خطاب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، خلال تشييع السيدين: "المشاركة في بناء الدولة تحت سقف إتفاق الطائف"، التي أوضحها عبر الحديث عن 3 ركائز أساسية: إخراج المحتل وإعادة الأسرى، إعادة الإعمار كإلتزام أساسي لهذه الدولة، إقرار خطة الإنقاذ والنهضة الاقتصادية والمالية والإدارية والقضائية والإجتماعية.

أولوية البعد الوطني، تطرح مجموعة واسعة من الأسئلة، تبدأ أولاً من عنوان العلاقة مع إيران، في ظل ما يُطرح، في بعض الأوساط الإقليمية، عن الرغبة في إخراج نفوذ طهران من لبنان، على قاعدة أن المطلوب أن يكون "حزب الله" حزباً سياسياً، ما يتماهى مع الطروحات المقدمة من قبل مجموعة من القوى المحلية.

الظروف المحيطة

منذ ما قبل الوصول إلى إتفاق وقف إطلاق النار، برز الحديث، في الداخل، عن المرحلة الجديدة المنتظرة. إلا أنه لم يكن من المتوقع أن يكون ذلك على وقع تحولات كبرى على المستوى الإقليمي، أبرزها سقوط النظام السوري السابق، مع ما يعنيه ذلك من قطع خطوط الإمداد البرية. بعيداً عما حصل في الساحة السورية، تبقى النتيجة أن الحزب خسر الحاضنة، التي قد تكون الأهم. لكن الأبرز هو أن الخسارة مضاعفة، بسبب الخطاب المعادي الذي تظهره السلطة الجديدة.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز الضغوط، الأميركية والإسرائيلية، الهادفة إلى قطع باقي الخطوط، تحديداً الجوية منها. مع ما يعنيه ذلك من تداعيات مرتبطة، بشكل مباشر، في عملية إعادة الإعمار، بالإضافة إلى إعادة الحزب ترميم قوته، بعد أن أظهر العدوان الأخير خللاً في توازن الردع، الذي حكم المعادلة بعد عدوان تموز 2006.

من حيث المبدأ، يبقى الأهم نتائج المفاوضات الأميركية الإيرانية، التي من المفترض أن تظهر في الفترة المقبلة، على إعتبار أنه سيكون لها تداعيات مباشرة على واقع الحزب الداخلي، سواء تم التوصل إلى إتفاق بين أو دخلت المنطقة مرحلة المواجهة، التي قد تكون عبر العقوبات الإقتصادية أو توجيه ضربة عسكرية.

آفاق المرحلة الجديدة

إنطلاقاً مما تقدم، يمكن رسم ملامح أولية حول التحدي الأبرز، في الأشهر المقبلة، أي شكل العلاقة بين الحزب والدولة أو كيفية تنظيمها، من دون تجاهل أن البلاد ستكون، في العام 2026، على موعد مع إنتخابات نيابية مفصلية.

في خطابه خلال التشييع، كان الشيخ قاسم واضحاً في الحديث عن مرحلة جديدة، تختلف أدواتها وأساليبها وكيفية التعامل معها، مشيراً إلى أن "أبرز خطوة اتخذناها أن ‏تتحمل الدولة مسؤوليتها"، لكنه في الوقت عينه لفت إلى أن "المقاومة موجودة وقوية عدداً وعدة ‏وشعباً".

إن السؤال الذي يطرح نفسه، ضمن هذه المعادلة، هو كيفية تطبيق تلك المعادلة، التي تحمل في طياتها تناقضاً واضحاً، من الناحية العملية، إنطلاقاً من الظروف المرافقة، على المستويين الداخلي والإقليمي، خصوصاً أن قاسم تحدث أيضاً عن أننا "سنمارس العمل المقاوم بالأساليب والطرق والتوقيت، انسجاماً مع المرحلة وتقدير القيادة".

من حيث المبدأ، يمكن إعتبار أن هذه هي معالم رؤية "حزب الله" لكيفية تنظيم العلاقة، لكن في المقابل تنظيم أي علاقة يتطلب البحث في رؤية الجانب الآخر. الذي يرى أولوية الخيار الدبلوماسي بعيداً عن المقاربة العسكريّة، من دون تجاهل موقف باقي المكونات، غير الرسميّة، التي تذهب إلى المطالبة بنزع سلاح الحزب على كامل الأراضي اللبنانية.

علاقة معقّدة

في الختام، يبقى الأكيد أنّ البلاد دخلت مرحلة جديدة، مبنية على علاقة معقدة. إلا أنه يمكن الإشارة إلى أن الحزب يتعامل معها وفق حدين: الثوابت والواقع المستجد.

في الأشهر المقبلة، من المفترض أن تتضح أكثر معالم هذه العلاقة، التي قد تأخذ أشكالاً متعددة، ستكون مرتبطة بالتطورات الإقليمية، مع ما يعنيه ذلك من تحديات وفرص ستظهر. من دون تجاهل ما ورد في خطاب الشيخ قاسم أيضاً عن أن "المسؤولين في لبنان يعرفون توازن القوى".